فصل: ما بين بولاق ومنشأة المهراني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ما بين بولاق ومنشأة المهراني

وكان فيما بين بولاق ومنشأة المهراني خط فم الخور وخط حكر ابن الأثير وخط زريبة قوصون وخط الميدان السلطانيّ بموردة الملح وخط منشأة الكتبة‏.‏

فأمّا فم الخور فكان فيه من المناظر الجليلة الوصف عدّة تشرف على النيل ومن ورائها البساتين ويفصل بين البساتين والدور المطلة على النيل شارع مسلوك وأنشيء هناك حمّام وجامع وسوق وقد تقدّم ذكر الخور وأنشأ هناك القاضي علاء الدين بن الأثير دارًا على النيل وكان إذ ذاك كاتب السرّ وبنى الناس بجواره فعُرف ذلك الخط بحكر ابن الأثير واتصلت العمارة من بولاق إلى فم الخور ومن فم الخور إلى حكر ابن الأثير وما برح فيه من مساكن الأكابر من الوزراء والأعيان ومن الدور العظيمة ما يتجاوز الوصف‏.‏

وأما الزريبة فإن الملك الناصر محمد بن قلاوون لما وهب البستان الذي كان الميدان الظاهريّ للأمير قوصون أنشأ قدّامه على النيل زريبة ووقفها فعمر الناس هناك حتى انتظمت العمارة من حكر ابن الأثير إلى الزريبة وعمر هناك حمّام وسوق كبير وطواحين وعدّة مساكن اتصلت باللوق‏.‏

وأما زريبة السلطان فإن الملك الناصر محمد بن قلاوون لما مر ميدان المهاري المجاور لقناطر السباع الآن أنشأ زريبة في قبليّ الجامع الطيبرسيّ وحفر لأجل بناء هذه الزريبة البركة المعروفة الآن بالبركة الناصرية حتى استعمل طينها في البناء‏.‏

وأنشأ فوق هذه الزريبة دار وكالة وربعين عظيمين جعل أحدهما وقفًا على الخانقاه التي أنشأها بناحية سرياقوس وأنعم بالآخر على الأمير بكتمر الساقي فأنشأ الأمير بكتمر بجواره حمّامين إحداهما برسم الرجال والأخرى برسم النساء فكثر بناء الناس فيما هنالك حتى اتصلت العمارة من بحريّ الجامع الطيبرسيّ بزريبة قوصون وصار هناك أزقة وشوارع ودروب ومساكن من وراء المناظر المطلة على النيل تتصل بالخليج‏.‏

وأكثر الناس من البناء في طريق الميدان السلطانيّ فصارت العمائر منتظمة من قناطر السباع إلى الميدان من جهاته كلها وتنافس الناس في تلك الأماكن وتغالوا في أجرها‏.‏

وعمر المكين براهيم بن قزوينة ناظر الجيش في قبليّ زريبة السلطان حيث كان بستان الخشاب دارًا جليلة‏.‏

وعمر أيضًا صلاح الحدين الكحال والصاحب أمين الدين عبد الله بن الغنام وعدّة من الكتاب فقيل لهذه الخطة منشأة الكتاب وأنشأ فيها الصاحب أمين الدين خانقاه بجوار داره وعمر أيضًا كريم الدين الصغير حتى اتصلت العمارة بمنشة المهراني فصار ساحل النيل من خط دير الطين قبليّ مدينة مصر إلى منية الشيرج بحريّ القاهرة مسافة لا تقصر عن أزيد من نصف بريد بكثير كلها منتظمة بالمناظر العظيمة والمساكن الجليلة والجوامع والمساجد والخوانك والحمامات وغيرها من البساتين لا تجد فيما بين ذلك خرابًا البتة وانتظمت العمارة من وراء الدور المطلة على النيل حتى أشرفت على الخليج‏.‏

فبلغ هذا البرّ الغربيّ من وفور العمارة وكثرة الناس وتنافسهم في الإقبال على اللذات وتأنقهم في الانهماك في المسرّات ما لا يمكن وصفه ولا يتأتى شرحه حتى إذا بلغ الكتاب أجله وحدثت المحن من سنة ست وثمانمائة وتقلص ماء النيل عن البرّ الشرقيّ وكثرت حاجات الناس وضروراتهم وتساهل قضاة المسلمين في الاستبدال في الأوقاف وبيع نقضها اشترى شخص الربعين والحمامين ودار الوكالة التي ذكرت على زريبة السلطان بجوار الجامع الطيبرسيّ في سنة سبع وثمانمائة وهدم ذلك كله وباع أنقاضه وحفر الأساسات واستخرج ما فيها من الحجر وعمله جيرًا فنال من ذلك ربحًا كثيرًا وتتباع الهدم في شاطىء النيل وباع الناس انقاض الدور فرغب في شرائها الأمراء والأعيان وطلاب الفوائد من العامة حتى زال جميع ما هنالك من الدور العظيمة والمناظر الجليلة وصار الساحل من منشأة المهرانيّ إلى قريب من بولاق كيمانًا موحشة وخرائب مقفرة كأن لم تكن مغنى صبابات وموطن أفراح وملعب أتراب ومرتع غزلان تفتن النساك هناك وتعيد الحلم سفيهًا سنة الله في الذين خلوا من قبل وإني إذا سلامٌ على تلكَ المعاهدِ والرُبا سلامَ وداعٍ لا سلامَ قدومِ وصار بهذا العهد ما بين أوّل بولاق من قبليه إلى أطراف جزيرة الفيل عامرًا من غربيه المفضي إلى النيل ومن شرقيه الذي ينتهي إلى الخليج إلاّ أنّ النيل قد نشأت فيه جزائر ورمال بعد بها الماء عن البرّ الشرقيّ وكثر العناء لبعده وفي كل عام تكثر الرمال ويبعد الماء عن البرّ ولله عاقب الأمور‏.‏

فهذا حال الجهة الغربية من ظواهر القاهرة في اتبداء وضعها وإلى وقتنا هذا وبقي من ظواهر القاهرة الجهة القبلية والجهة البحرية وفيهما أيضًا عدّة اخطاط تحتاج إلى شرح وتبيان والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏

خارج باب زويلة اعلم أنّ خارج باب زويلة جهتان جهة تلي الخليج وجهة تلي الجبل‏.‏

فأما الجهة التي تلي الخليج فقد كانت عند وضع القاهرة بساتين كلها فيما بين القاهرة إلى مصر‏.‏

وعندي فيما ظهر لي أنّ هذه الجهة كانت في القديم غامرة بماء النيل وذلك أنه لا خلاف بين أهل مصر قاطبة أنّ الأراضي التي هي من طين أبليز لا تكون إلاّ من أرض ماء النيل فإن أرضّ مصر تربة رملة سبخة وما فيها من الطين طرح بعلوها عند زيادة ماء النيل مما يحمله من البلاد الجنوبية من مسيل الأودية فلذلك يكون لون الماء عند الزيادة متغيرًا فإذا مكثر على الأرض قعد ما كان في الماء من الطين على الأرض فسماه أهل مصر إبليز وعليه تُزرع الغلال وغيرها وما لا يشمله ماء النيل من الأرض لا يوجد فيه هذا الطين البتة وأنت إن عرفت أخبار مصر بتأمُّلك ما تضمنه هذا الكتاب ظهر لك أ موضع جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه كان كرومًا مشرفة على النيل وأن النيل انحسر بعد الفتح عما كان تجاه الحصن الذي يقال له قصر الشمع وعما هو الآن تجاه الجامع ومازال ينحسر شيئًا بعد شيء حتى صار الساحل بمصر من عند سوق المعاريج الآن إلى قريب من السبع سقايات وجميع الأراضي التي فيها الآن المراغة خارج مصر إلى نحو السبع سقايات وما يقابل ذلك من برّ الخليج الغربيّ كان غامرًا بالماء كما تقدّم وكان في الموضع الذي تجاه المشهد المعروف بزيد وتسميه العامة الآن مشهد زين العابدين بساتينٌ شرقيها عند المشهد النفيسيّ وغربيها عند السبع سقيات منها بساتين عُرفت بجنان بني مسكين وعندها بني كافور الأخشيدي دار على البركة التي تجاه الكبش وتعرف اليوم ببركة قارون ومنها بستان عُرف آخرًا بجنان الحارة وهو من حوض الدمياطي الذي بقرب قنطرة السدّ الآن إلى السبع سقايات وبقرب السبع سقايات بركة الفيل ويشرف على بركة الفيل بساتين من دائرها وإلى وقتنا هذا عليها بستان يُعرف بالحبانية وهم بطن من درما بن عمرو بن عوف بن ثعلبة بن سلامان بن بعل بن عمرو بن الغوث بن طي فدرما فخذ من طيّ والحبانيون بطن من درما وبستان الحبانية فصل الناس بينه وبين البركة بطريق تسلك فيها المارة وكان من شرقيّ بركة الفيل أيضًا بساتين منها بساتين سيف الإسلام فيما بين البركة والجبل الذي عليه الآن قلعة الجبل وموضعه الآن المساكن التي من جملتها درب ابن البابا إلى زقاق حلب وحوض ابن هنس وعدّة بساتين أخر إلى باب زويلة‏.‏

وكذلك شقة القاهرة الغربية كانت أيضًا بساتين فوضع حارة الوزيرية إلى الكافوريّ كان ميدان الأخشيد وبجانب الميدان بستانه الذي يقال له اليوم الكافوري وما خرج عن باب الفتوح إلى منية الأصبغ الذي يعرف اليوم بالخندق كان ذلك كله بساتين على حافة الخليج الشرقية وقد ذُكرت هذه المواضع في هذا الكتاب مبينة وعند التأمل يظهر أن الخليج الكبير عند ابتداء حفره كان أوّله إمّا عند مدينة عين شمس أو من بحريها لأجل أن القطعة التي بجانب هذا الخليج من غربيه والقطعة التي هي بشرقية فيما بين عين شمس وموردة الحلفاء خارج مدينة فسطاط مصر جميعهما طين إبليز والطين المذكور لا يكون إلا من حيث يمرّ ماء النيل فتعين أنّ ماء النيل كان في القديم على هذه الأرض التي بجانبي الخليج فينتج أن أوّل الخليج كان عند آخر النيل من جهة البحرية وينتهي الطين إلى نحو مدينة عين شمس من الجانب الشرقيّ ويصير ما بعد الخندق في الجهة البحرية رملًا لا طين فيه وهذا بين لمن تأمله وتدبره وفي هذه الجهة التي تلي الخليج خار باب زويلة حارات قد ذكرت عند ذكر الحارات من هذا الكتاب وبقيت هناك أشياء نحتاج أن نعرّف بها وهي‏:‏ حوض ابن هنس‏:‏ وهو حوض ترده الدواب وينقل إليه الماء من بئر وبه صارت تلك الخطة تعرف وهي تلي حارة حلب ويُسلك إليها من جانب وهو وقف الأمير سعد الدين مسعود بن الأمير بدر الدين هنس بن عبد الله أحد الحجاب الخاص في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب في سلخ شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة وعمل بأعلاه مسجدًا مرتفاعًا وساقية ماء على بئر معين ومات يوم السبت عاشر شوّال سنة سبع واربعين وستمائة ودفن بجوار الحوض كان هذا الحوض قد تعطل في عصرنا فجدّده الأمير تتر أحد الأمراء الكبار في الدولة المؤيدية في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ومات هنس أمير جندار السلطان الملك العزيز عثمان في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة‏.‏

مناظر الكبش‏:‏ هذه المناظر آثارها الآن على جبل يشكر بجوار الجامع الطولونيّ مشرفة على البركة التي تعرف اليوم ببركة قارون عند الجسر الأعظم الفاصل بين بركة الفيل وبركة قارون أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب في أعوام بضع وأربعين وستمائة‏.‏

وكان حينئذ ليس على بركة الفيل بناء ولا في المواضع التي في برّ الخليج الغربيّ من قنطرة السباع إلى المقس سوى البساتين وكانت الأرض التي من صليبة جامع ابن طولون إلى باب زويلة بساتين وكذلك الأرض التي من قناطر السباع إلى باب مصر بجوار الكبارة ليس فيها إلاّ البساتين وهذه المناظر تشرف على ذلك كله من أعلى جبل يشكر وترى باب زويلة والقاهرة وترى باب مصر ومدينة مصر وترى قلعة الروضة وجزيرة الروضة وترى بحر النيل الأعظيم وبرّ الجيزة‏.‏

فكانت من أجلّ منتزهات مصر وتأنق في بنائها أو سماها الكبش فعرفت بذلك إلى اليوم‏.‏

وما زالت بعد الملك الصالح من المنازل الملوكية وبها أنزل الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسيّ لما وصل من بغداد إلى قلعة الجبل وبايعه الملك الظاهر ركن الدين بيبرس بالخلافة فأقام بها مدّة ثم تحوّل منها إلى قلعة الجبل وسكن بمناظر الكبش أيضًا الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان في أوّل خلافته وفيها أيضًا كانت ملوك حماه من بني أيوب تنزل عند قدومهم إلى الديار المصرية وأوّل من نزل منهم فيها الملك المنصور ولما قدم على الملك الظاهر بيبرس في المحرّم سنة ثلاث وسبعين وستمائة ومعه ابنه الملك الأفضل نور الدين عليّ وابنه الملك المظفر تقيّ الدين محمود فعندما حلّ بالكبش أتاه الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني بالسماط فمدّه بين يديه ووقف كما يفعل بين يدي الملك الظاهر فامتنع الملك المنصور من الرضى بقيامه على السماط وما زال به حتى جلس‏.‏

ثم وصلت الخلع والمواهب إليه وإلى ولده وخواصه‏.‏

وفي سنة ثلاث وتسعين وستمائة أُنزل بهذه المناظر نحو ثلاثمائة من مماليك الأشرف خليل بن قلاوون عندما قبض عليهم بعد قتل الأشرف المذكور ثم إن الملك الناصر محمد بن قلاوون هدم هذه المناظر المذكورة في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وبناها بناء آخر وأجرى الماء إليها وجدّد بها عدّة مواضع وزاد في سعتها وأنشأ بها اصطبلًا تربط فيه الخيول وعمل زفاف ابنته على ولد الأمير أرغون نائب السلطنة بديار مصر بعدما جهزها جهازًا عظيمًا منه‏:‏ بشخاناه وداير بيت وستارات طرّز ذلك بثمانين ألف مثقال ذهب مصريّ سوى ما فيه من الحرير وأجرة الصناع وعمل سائر الأواني من ذهب وفضة فبلغت زنة الأواني المذكورة ما ينيف على عشرة آلاف مثقال من الذهب وتناهى في هذا الجهاز وبالغ في الإنفاق عليه حتى خرج عن الحدّ في الكثرة فإنها كانت أوّل بناته ولما نصب جهازها بالكبش نزل من قلعة الجبل وصعد إلى الكبش وعاينه ورتبه بنفسه واهتم في عمل العرس اهتمامًا ملوكيًا وألزم الأمراء بحضوره فلم يتأخر أحد منهم عن الحضور ونقط الأمراء الأغاني على مراتبهم من أربعمائة دينار كل أمير إلى مائتي دينار سوى الشقق الحرير واستمرّ الفرح ثلاثة أيام بلياليها فذكر الناس حنيئذ أنه لم يعمل فيما سلف عرس أعظم منه حتى صل لكل جوقة من جوق الأغاني اللاتي كنّ فيه خمسمائة دينار مصرية ومائة وخمسون شقة حرير وكان عدّة جوق الأغاني التي قسم عليهنّ ثمان جوق من أغاني القاهرة سوى جوق الأغاني السلطانية وأغاني الأمراء وعدّتهن عشرون جوقة لم يُعرف ما حصل لهذه العشرين جوقة من كثرة ما حصل ولما انقضت أيام العرس أنعم السلطان لكل امرأة من نساء الأمراء بتعبية قماش على مقدارها وخلع على سائر أرباب الوظائف من الأمراء والكتاب وغيرهم فكان مهمًا عظيمًا تجاوز المصروف فيه حدّ الكثرة‏.‏

وسكن هذه المناظر أيضًا الأمير صرغتمش في أيام السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون وعمر الباب الذي هو موجود الآن وبدنتي الحجر اللتين بجانبي باب الكبش بالحدرة ثم أن الأمير بلبغا العمري المعروف بالخاصكيّ سكنه إلى أن قتل في سنة ثمان وستين وسبعمائة فسكنه من بعده الأمير استدمر إلى أن قبض عليه الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون وأمر بهدم الكبش فهدم وأقام خرابًا لا ساكن فيه إلى سنة خمس وسبعين وسبعمائة فحكره الناس وبنوا في مساكن وهو على ذلك إلى اليوم‏.‏

خط درب ابن البابا‏:‏ هذا الخط يتوصل إليه من تجاه المدرسة البندقدارية بجوار حمام الفارقاني ويَسلك فيه إلى خط واسع يشتمل على عدّة مساكن جليلة ويتوصل منه إلى الجامع الطولونيّ وقناطر السباع وغير ذلك وكان هذا الخط بستانًا يعرف ببستان أبي الحسين بن مرشد الطائيّ ثم عُرف ببستان تامش ثم عرف أخيرًا ببستان سيف الإسلام صفتكين بن أيوب وكان يشرف على بركة الفيل وله دهاليز واسعة عليها جواسق تنظر إلى الجهات الأربع ويقابله حيث الدرب الآن المدرسة البندقدارية وما في صفها إلى الصليبة بستان يُعرف ببستان الوزير ابن المغربيّ وفيه حمّام مليحة ويتصل ببستان ابن المغربيّ بستان عُرف أخيرًا ببستان شجر الدر وهو حيث الآن سكن الخلفاء بالقرب من المشهد النفيسيّ ويتصل ببستان شجر الدر بساتين إلى حيث الموضع المعروف اليوم بالبكارة من مصر ثم أن بستان سيف الإسلام حكره أمير يُعرف بعلم الدين الغتمي فبنى الناس فيه الدور في الدولة التركية وصار يعرف الغتمي وهو الآن يُعرف بدرب ابن البابا وهو الأمير الجليل الكبير جنكلي بن محمد بن البابا بن جنكلي بن خليل بن عبد الله بدر الدين العجليّ رأس الميمنة وكبير الأمراء الناصرية محمد بن قلاون بعد الأمير جمال الدين نائب الكرك قدم إلى مصر في أوائل سنة أربع وسبعمائة بعدما طلبه الملك الأشرف خليل بن قلاوون ورغبه في الحضور إلى الديار المصرية وكتب له منشورًا باقطاع جيد وجهزه إليه فلم يتفق حضوره إلى في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون وكان مقامه بالقرب من آمد فاكرمه وعظمه وأعطاه أمرة ولم يزل مكرّمًا معظمًا وفي آخر وقته بعد خروج الأمير أرغون النائب من مصر كان السلطان يبعث إليه الذهب مع الأمير بكتمر الساقي وغيره ويقول له لا تبس الأرض على هذا ولا تنزله في ديوانك وكان أوّلًا جنكلي رأس الميمنة وزوّج السلطان ابنه إبراهيم بن محمد بن قلاوون بابنة الأمير بدر الدين وما زال معظمًا في كل دولة بحيث أن الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون كتب له عند الأتابكي الوالدي البدري وزادت وجاعته في أيامه إلى أن مات يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة سنة ست وأربعين وسبعمائة‏.‏

وكان شكلًا مليحًا حليمًا كثير المعروف والجود عفيفًا لا يستخدم مملوكًا أمرد البتة واقتصر من النساء على امرأته التي قدمت معه إلى مصر ومنها أولاده وكان يحب العلم وأهله ويطارح بمسائل علمية ويعرف ربع العبادات ويجيده ويتكلم على الخلاف فيه ويميل إلى الشيخ تقيّ الدين أحمد بن تيمية ويعادي من يعاديه ويكرم أصحابه ويكتب كلامه مع كثرة الإحسان إلى الناس بماله وجاهه وكان ينتسب إلى إبراهيم بن أدهم وهو من محاسن الدولة التركية رحمه الله‏.‏

حكر الخازن‏:‏ هذا المكان فيما بين بركة الفيل وخط الجامع الطولوني كان من جملة البساتين ثم صار إصطبلًا للجوق الذي فيه خيول المماليك السلطانية فلما تسلطن الملك العادل كتبغا اخرج منه الخيول وعمله ميدانًا يشرف على بركة الفيل في سنة خمس وتسعين وستمائة ونزل إلهي ولعب فيه بالاكرة أيام سلطنته كلها إلى أن خلعه الملك المنصور لاجين وقام في الملك من بعده فأُهمل أمره وعمر فيه الأمير علم الدين سنجر الخازن وإلى القاهرة بيتًا فعرف من حينئذ بحكر الخازن وتبعه الناس في البناء هناك وأنشأوا فيه الدور الجليلة فصار من أجلّ الأخطاط وأعمرها وأكثر من يسكن به الأمراء والمماليك‏.‏

سنجر الخازن‏:‏ الأمير علم الدين الأشرفيّ أحد مماليك الملك المنصور قلاوون وتنقل في أيام ابنه الملك الأشرف خليل وصار أحد الخزان فعرف بالخازن‏.‏

ثم ولي وشدّ الدواوين مع الصاحب أمين الدين وانتقل منها إلى ولاية البهنسا ثم إلى ولاية القاهرة وشدّ الجهات‏.‏

فباشر ذلك بعقل وسياسة وحسن خلق وقلة ظلم ومحبة للستر وتغافل عن مساويء الناس وإقالة عثرات ذوي الهيآت مع العصبية والمعرفة وكثرة المال وسعة الحال واقتناء الأملاك الكثيرة ثم أنه صرف عن ولاية القاهرة بالأمير قدادار في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وسبعمائة فوجد الناس من عزله بقدادار شدّة وما زال بالقاهرة إلى أن مات ليلة السبت ثامن جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة فوجد له أربعة عشر ألف أردب غلة عتيقة وأموال كثيرة وله من الآثار مسجد بناه فوق درب استجدّه بحرك الخازن وخانقاه بالقرافة دفن فيها عفا الله عنه‏.‏

ربع البزادرة‏:‏ هذا الربع تحت قلعة الجبل بسوق الخيل عمر بعد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وكان مكانه لا عمارة فيه فبنى الأجناد بجواره عدّة مساكن واستجدّوا حكرين من جواره فامتدّت العمائر إلى تربة شجر الدر حيث كان البستان المعروف بشجر الدر وهناك الآن سكن الخلفاء وامتدّت العمائر من تربة شجر الدر إلى المشهد النفيسيّ ومرّوا من تجاه المشهد بالعمائر إلى أن اتصلت بعمائر مصر وباب القرافة‏.‏

خط قناطر السباع‏:‏ كان هذا الخط في أوّل الإسلام يُعرف بالحمراء نزل فيه طائفة تعرف ببني الأزرق وبني روبيل ثم دئرت هذه الخطة وبقيت صحراء فيها ديارات وكنائس للنصارى تعرف بكنائس الحمراء فلما زالت دولة بني أمية ودخل أصحاب بني العباس إلى مصر في مصر اثنتين وثلاثين ومائة نزلوا في هذه الخطة وعمروا بها فصارت تتصل بالعسكر وقد تقدّم خبر العسكر في هذا الكتاب فلما خرب العسكر وصار هذا المكان بساتين وغيرها إلى أن حفر الملك الناصر محمد بن قلاوون البركة الناصرية وانشأ ميدان المهاري والزريبة والربعين بجوار الجامع الطيبرسيّ على شاطىء النيل بنى الناس في حكر أقبغا واتصلت العمائر من خط السبع سقايات وخط قناطر السباع حتى اتصلت بالقاهرة ومصر والقرافة وذلك كله من بعد سنة عشرين وسبعمائة‏.‏

بئر الوطاويط‏:‏ هذه البئر أنشأها الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن الفرات المعروف بابن خترابه لينقل منها لاماء إلى السبع سقايات التي أنشأها وحبسها لجميع المسلمين التي كانت بخط الحمراء وكتب عليها بسم الله الرحمن الرحيم لله الأمر من قبل ومن بعد وله الشكر وله الحمد ومنه المن على عبده جعفر بن الفضل بن جعفر بن الفرات وما وفقه له من البناء لهذه البئر وجريانها إلى السبع سقايات التي أنشأها وحبسها لجميع المسلمين وحبسه وسبله وقفًا مؤبدًا لا يحل تغييره ولا العدول بشيء من مائه ولا ينقل ولا يبطل ولا يساق إلاّ إلى حيث مجراه إلى السقايات المسبلة فمن بدّله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدّلونه إن الله سميع عليم‏.‏

وذلك في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وصلى الله على نبيه محمد وآله وسلم فلما طال الأمر خربت السقايات وإلى اليوم يُعرف موضعها بخط السبع سقايات وبنى فوق البئر الأماكن في أيام الناصر محمد بن قلاوون عمر هذا المكان وعرف إلى اليوم بخط بئر الوطاويط وهو خط خامر فهذا ما في جهة الخليج مما خرج عن باب زويلة‏.‏

وأما جهة الجبل فنها كانت عند وضع القاهرة صحراء وأوّل من أعلم أنه عمر خارج باب زويلة من هذه الجهة الصالح طلائع بن رزيك فإنه أنشأ الجامع الذي يقال له جامع الصالح ولم يكن بين هذا الجامع وبين هذا الشرف الذي عليه الآن قلعة الجبل بناء البتة إلاّ أن هذا الموضع الآن عمل الناس فيه مقبرة فيما بين جامع الصالح وبين هذا الشرف من حين بنيت الحارات خارج باب زويلة فلما عمرت قلعة الجبل عمر الناس بهذه شيئًا بعد شيء وما برح من بنى هناك يجد عند الحفر رمم الأموات وقد صارت هذه الجهة في الدولة التركية لا سيما بعد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة من أعمر الأخطاط وأنشأ الأمراء الجوامع والدور الملوكية وتحدّدت هناك عدّة أسواق وصار الشارع خارج باب زويلة يفصل بين هذه الجهة وبين الجهة التي من حدّ الخليج وكلتا هاتين الجهتين الآن عامرة وفي جهة الجبل خط البسطيين وخط الدرب الأحمر وخط سوق الغنم وخط جامع المارديني وخط التبانة وخط باب الوزير وخط المصنع وخط سويقة العزي وخط مدرسة الجابي وخط الرميلة وخط القبيبات وخط باب القرافة‏.‏

خارج باب الفتوح اعلم أن خارج باب الفتوح إلى الخندق كان كله بساتين وتمتدّ البساتين من الخندق بحافتي الخليج إلى عين شمس فيقابل باب الفتوح من خارجه المنظرة المقدّم ذكرها عند ذكر المناظر التي كانت للخلفاء من هذا الكتاب ويلي هذه المنظرة بستان كبير عُرف بالبستان الجيوشيّ أوّله من عند زقاق الكحل إلى المطرية ويقابله في برّ الخليج الغربيّ بستان آخر يتوصل إليه من باب القنطرة وينتهي إلى الخندق وقد ذكر خبر هذين البستانين عند ذكر مناظر الخلفاء وكان بين هذين البستانين بستان الخندق وكان على حافة الخليج من شرقيه فيما بين زقاق الحكل وباب القنطرة حيث المواضع التي تعرف اليوم ببكرة جناق بالكداسين إلى قريب من حارة بهاء الدين حارة تُعرف بحارة البيازرة اختطت في نحو من سنة عشرين وخمسمائة وكانت مناظرها تُشرف على الخليج وبجوارها بستان مختار الصقلبيّ وعرف بعد ذلك ببستان ابن صيرم الذي حكر وبنيت فيه المساكن الكثيرة بع ذلك وكان أيضاَ خارج باب الفتوح حارة الحسينية وهم الريحانية إحدى طوائف عسكر الخلفاء الفاطميين وهذه الحارة اختطت بعد الشدّة العظمة التي كانت بمصر في خلافة المستنصر فصارت على يمين من خرج من باب الفتوح إلى صحراء الهليلج ويقابلها حارة أخرى تنتهي إلى بركة الأرمن التي عند الخندق وتعرف اليوم ببركة قراجًا وقد ذكرت هذه الحارات عند ذكر حارات القاهرة وظواهرها من هذا الكتاب‏.‏